فصل: تفسير الآيات (96- 104):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (63- 68):

{فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (68)}
لما عظم البلاء على بني إسرائيل أمر موسى أن يضرب البحر بعصاه، وذلك لأنه عز وجل أراد أن تكون الآية متصلة بموسى ومتعلقة بفعل فعله وإلا فضرب العصا ليس بفالق للبحر ولا معين على ذلك بذاته إلا بما اقترن به من قدرة الله واختراعه، ولا انفلق البحر صار فيه اثنا عشر طريقاً على عدد أسباط بني إسرائيل، ووقف الماء ساكناً كالجبل العظيم، وروي عن ابن جريج والسدي وغيرهما أن بني إسرائيل ظن كل فريق منهم أن الباقي قد غرق، فأمر الله الماء فصار كالشراجب والطيقان وراء بعضهم بعضاً فتأنسوا {وأزلفنا} معناه قربنا، وقرأ ابن عباس عن أبي بن كعب {وأزلقنا} بالقاف ونسبها أو الفتح إلى عبد الله بن الحارث، وقرأ أبو حيوة والحسن {زلفنا} بغير ألف وذلك أن فرعون لما وصل إلى البحر وقد دخل بنو إسرائيل قيل إنه صمم ومخرق، بأن قال لي انفرق، فدخل على ذلك، وقيل بل كع وهم بتدبير الانصراف فعرض جبريل على فرس وديق فمضى وراءه حصان فرعون، فدخل على نحو هذا وتبعه الناس، وروي أن الله تعالى جعل ملائكة تسوق قومه حتى حصولهم في البحر، ثم إن موسى وقومه خرجوا إلى البر من تلك الطرق ولما أحسوا باتباع فرعون وقومه فزعوا من أن يخرج وراءهم، فهم موسى بخلط البحر فحينئذ قيل له، اترك البحر رهواً، ولما تكامل جند فرعون وهو مقدمهم بالخروج انطبق عليهم البحر وغرقوا، ودخل موسى عليه السلام البحر بالطول. وخرج في الضفة التي دخل منها بعد مسافة وكان بين موضع دخوله وموضع خروجه أوعار وجبال ولا تسلك إلا على تخليق الأيام، وكان ذلك في يوم عاشوراء، وقال النقاش البحر الذي انفلق لموسى نهر النيل بين إيلة ومصر.
قال القاضي أبو محمد: وهذا مردود إن شاء الله، وقوله تعالى: {إن في ذلك} تنبيه على موضع العبرة، وقوله: {وإن ربك لهو العزيز الرحيم} أي عز في نقمته من الكفار ورحم المؤمنين من كل أمة وقد مضى كثير مما يلزم من قصة موسى عليه السلام.

.تفسير الآيات (69- 77):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)}
هذه القصة تضمنت الإعلام بغيب والإيمان بما قطع أن محمداً عليه السلام لم يكن يعرفه ثم ظهر على لسانه في ذلك ما في الكتب المتقدمة، وليست هذه الآية مثالاً لقريش إلا في أمر الأصنام فقط لأنه ليس فيها تكذيب وعذاب، وقول إبراهيم عليه السلام {ما تعبدون} استفهام بمعنى التقرير، والصنم ما كان من الأوثان على صورة ابن آدم من حجر أو عود أو غير ذلك، و{نظل} عرفها في فعل للشيء نهاراً وبات عرفها في فعله ليلاً، وطفق عامة للوجهين، ولكن قد تجيء ظل بمعنى العموم وهذا الموضع من ذلك، والعكوف اللزوم، ومنه المعتكف، ومنه قول الراجز: عكف النبيط يلعبون الفنزجا. ثم أخذ إبراهيم عليه السلام يوقفهم على أشياء يشهد العقل أنها بعيدة من صفات الله، وقرأ الجمهور بفتح الياء من {يسمعونكم}، وقرأ قتادة بضمها من أسمع وبكسر الميم والمفعول على هذه القراءة محذوف، وقرأ جماعة من القراء {إذ تدعون} بإظهار الذال والتاء، وقرأ الجمهور {إذ تدعون} بإدغام الذال في التاء بعد القلب ويجوز فيه قياس مذكر، ولم يقرأ به وطرد القياس أن يكون اللفظ به إذ ددعون والذي منع من هذا اللفظ اتصال الدال الأصلية بالفعل فكثرت المماثلات، وقولهم بل {وجدنا آباءنا كذلك يفعلون}، أقبح وجوه التقليد لأنه على ضلالة وفي أمر بين خلافه وعظيم قدره، فلما صرحوا لإبراهيم عليه السلام عن عدم نظرهم وأنه لا حجة لهم خاطبهم ببراءته من جميع ما عبد من دون الله وعداوته لذلك وعبر عن بغضته واطراحه لكل معبود سوى الله تعالى بالعداوة إذ هي تقتضي التغيير ومحو الرسم، وقيل في الكلام قلب لأن الأصنام لا تعادي وإنما هو عاداها، وقوله: {إلا رب العالمين} قالت فرقة هو استثناء متصل لأن في بغضته الأقدمين من قد عبد الله، وقالت فرقة هو استثناء منقطع لأنه إنما أرد عبادة الأوثان من كل قرن منهم، ولفظة {عدو} تقع للجميع والمفرد والمؤنث والمذكر.

.تفسير الآيات (78- 87):

{الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)}
أتى إبراهيم عليه السلام في هذه الأوصاف التي وصف الله عز وجل بها بالصفات التي المتصف بها يستحق الألوهية وهي الأوصاف الفعلية التي تخص البشر، ومنها يجب أن يفهم ربه عز وجل وهذا حسن الأدب في العبارة، والكل من عند الله تعالى، وقوله: {يطعمني ويسقين} تعديد للنعمة في الرزق، وقال أبو بكر الوراق في كتاب الثعلبي يطعمني بلا طعام ويسقيني بلا شراب، كما قال النبي عليه السلام «إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين»، وأسند إبراهيم المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله عز وجل. وهذا حسن الأدب في العبارة والكل من عند الله تعالى، وهذا كقول الخضر عليه السلام: فأردت أن أعيبها. وقال جعفر الصادق إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة، وقرأ الجمهور هذه الأفعال {يهدين} بغير ياء، وقرأ نافع وابن أبي إسحاق {يهدين}، وكذلك ما بعده وأوقف عليه السلام نفسه على الطمع في المغفرة وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته، وقوله: {خطيئتي}، ذهب فيه أكثر المفسرين إلى أنه أراد كذباته الثلاث، قوله هي أختي في شأن سارة، وقوله: {إني سقيم} [الصافات: 89]، وقوله: {بل فعله كبيرهم} [الأنبياء: 63]، وقالت فرقة أراد بـ الخطيئة اسم الجنس فدعا في كل أمره من غير تعيين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أظهر عندي لأن تلك الثلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعارض، وهي وإن كانت كذبات بحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم «لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات»، وبحكم ما في حديث الشفاعة من قوله في شأن إبراهيم نفسي نفسي فهي في مصالح وعون شرع وحق، وقرأ الجمهور {خطيئتي} بالإفراد، وقرأ الحسن {خطاياي} بالجمع، والحكم الذي دعا فيه إبراهيم هو الحكمة والنبوة، ودعاء إبراهيم في مثل هذا هو في معنى التثبيت والدوام، ولسان الصدق في الآخرين هو الثناء وخلد المكانة بإجماع من المفسرين، وكذلك أجاب الله دعوته، فكل ملة تتمسك به وتعظمه هو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، قال مكي وقيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق فأجيبت الدعوة في محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ، واستغفاره لأبيه في هذه الآية هو قبل أن تبين له بموته على الكفر أنه عدو الله، أي محتوم عليه وهو عن الموعدة المذكورة في غير هذه الآية، وفي قراءة أبي بن كعب{واغفر لي ولأبوي إنهما كانا من الضالين}.

.تفسير الآيات (88- 95):

{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (92) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (93) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95)}
{يوم} بدل من الأولى في قوله: {يوم يبعثون} [الشعراء: 87] والمعنى يوم لا ينفع إعلاق بالدنيا ومحاسنها فقصد من ذلك العظم والأكثر لأن المال والبنين هي زينة الحياة الدنيا، وقوله: {بقلب سليم} معناه خالص من الشرك والمعاصي، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين، قال سفيان هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره.
قال القاضي أبو محمد: وهذا يقتضي عموم اللفظة، ولكن السليم من الشرك هو الأهم، وقال الجنيد بقلب لديغ من خشية الله والسليم اللديغ، {وأزلفت} معناه قربت، والغاوون التي برزت لهم الجحيم هم المشركون بدلالة أنهم خوطبوا في أمر الأصنام، والقول لهم {أي ما كنتم تعبدون من دون الله} هو على جهة التقريع والتوبيخ والتوقيف على عدم نصرتهم نحوه، وقرأ الأعمش {فبرزت} بالفاء والجمهور بالواو، وقرأ مالك بن دينار {وبرَزَت} بفتح الراء والزاي ورفع {الجحيمُ}، ثم أخبر عن حال يوم القيامة من أن الأصنام تكبكب في النار أي تلقى كبة واحدة ووصل بها ضمير من يعقل من حيث ذكرت بعبادة، وكانت يسند إليها فعل من يعقل، وقيل الضمير في قوله: {هم} للكفار، و{الغاوون} الشياطين، و{كبكب} مضاعف من كب هذا قول الجمهور وهو الصحيح لأن معناها واحد، والتضعيف في الفعل بين مثل صر وصرصر وغير ذلك، و{الغاوون} الكفرة الذين شملتهم الغواية، و{جنود إبليس} نسله وكل وكل من يتبعه لأنهم جند له وأعوان.

.تفسير الآيات (96- 104):

{قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101) فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (104)}
ثم وصف تعالى أن أهل النار {يختصمون} فيها ويتلاومون ويأخذون في شأنهم بجدال، ومن جملة قولهم لأصنامهم على جهة الإقرار وقول الحق قسم {تالله إن كنا} إلا ضالين في أن نعبدكم ونجعلكم سواء مع الله تعالى الذي هو رب العالمين وخالقهم ومالكهم، ثم عطفوا يردون الملامة على غيرهم أي ما أضلنا إلا كبراؤنا وأهل الجرم والجرأة والمكانة، ثم قالوا على جهة التلهف والتأسف حين رأوا شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء نافعة في أهل الإِيمان عموماً، وشفاعة الصديق في صديقه خاصة {فما لنا من شافعين ولا صديق حميم} وفي هذه اللفظة منبهة على محل الصديق من المرء، قال ابن جريج {شافعين} من الملائكة و{صديق} من الناس.
قال القاضي أبو محمد: ولفظة الشفيع تقتضي رفعة مكانه، ولفظ الصديق يقتضي شدة مساهمة ونصرة، وهو فعيل من صدق الود، والحميم الولي والقريب الذي يخصك أمره ويخصه أمرك وحامة الرجل خاصته وباقي الآية بين قد مضى.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الآيات من قوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون} [الشعراء: 88] هي عندي منقطعة من كلام إبراهيم عليه السلام وهي إخبار من الله عز وجل، تعلق بصفة ذلك اليوم الذي وقف إبراهيم عليه السلام عنده في دعائه أن لا يخزى فيه.

.تفسير الآيات (105- 122):

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (121) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (122)}
أسند {كذبت} إلى القوم وفيه علامة التأنيث من حيث القوم في معنى الأمة والجماعة، وقوله: {المرسلين} من حيث من كذب نبياً واحداً، كذب جميع الأنبياء إذ قولهم واحد ودعوتهم سواء، وقوله: {أخوهم} يريد في النسب والمنشأ لا في الدين، و{أمين} معناه على وحي الله ورسالته، وقرأ ابن كثير وعاصم {أجري} ساكنة الياء، وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة بفتح الياء في كل القرآن، ثم رد عليهم الأمر بالتقوى والدعاء إلى طاعته تحذيراً ونذارة وحرصاً عليهم فذهب أشرافهم إلى استنقاص أتباعه بسبب صغار الناس الذين اتبعوه وضعفائهم، وهذا كفعل قريش في شأن عمار بن ياسر وصهيب وغيرهما، وقال بعض الناس {الأرذلون} الحاكة، والحجامون والأساكفة، وفي هذا عندي على جهة المثال أي أهل الصنائع الخسيسة لا أن هذه الصنائع المذكورة خصت بهذا، و{الأرذلون} جمع الأرذل ولا يستعمل إلا معرفاً أو مضافاً أو بـ من.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر من الآية أن مراد {قوم نوح} بنسبة الرذيلة إلى المؤمنين تهجين أفعالهم لا النظر في صنائعهم، يدل على ذلك قول نوح {ما علمي} الآية، لأن معنى كلامه ليس في نظري وعلمي بأعمالهم ومعتقداتهم فائدة إنما أقنع بظاهرهم وأجتزئ به، ثم حسابهم على الله تعالى، وهذا نحو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس» الحديث بجملته، وقرأ جمهور الناس {واتبعك} على الفعل الماضي، وقرأ ابن السميفع اليماني وسعيد بن أسعد الأنصاري {وأتباعك} على الجمع، ونسبها أبو الفتح إلى ابن مسعود والضحاك وطلحة، قال أبو عمرو وهي قراءة ابن عباس والأعمش وأبي حيوة، وقرأ عيسى بن عمر الهمذاني {لو يشعرون} بالياء من تحت، وإعراب قوله: {وأتباعك} إما جملة في موضع الحال وإما عطف على الضمير المرفوع وحسن لك الفصل بقوله: {لك}، وقولهم {من المرجومين}، يحتمل أن يريدوا بالحجارة، ويحتمل أن يريدوا بالقول والشتم ونحوه، وهو شبيه برجم الحجارة، وهو من الرجم بالغيب والظن ونحو ذلك، وقوله: {افتح} معناه احكم، والفتاح القاضي بلغة يمنية، و{الفلك} السفينة وجمعها فلك أيضاً، وقد تقدم بسط القول في هذا الجمع في سورة الأعراف، و{المشحون} معناه المملوء بما ينبغي له من قدر ما يحمل، وباقي الآية بين.